]ولم تعد جودة القمح كما يعلمها الناس أو كما قد ينصح بها بعض المهتمين بالتغذية الطبيعية. فالبلدان العربية على الخصوص تستورد القمح بنوعيه الطري والصلب، ويعتبر القمح الصلب أعلى درجة من القمح الطري، وترتفع نسبة البروتينات بالقمح الصلب بالمقارنة مع القمح الطري، بينما يرتفع النشا في هذا الأخير. والقمح يستهلك لأنه لا غنى عنه، وجودة القمح المستورد ليست عالية، ولذلك نتحفظ من استخراج نبتة القمح من هذا النوع من القمح، ولو كان القمح طبيعيا كما كان من قبل، لنصحنا بتهييء نبتة القمح واستعمالها لأغراض علاجية. والقمح المحلي أصابه كذلك تغيير لأن البذور مستوردة، ونبتة القمح يجب أن تكون من حبوب خالية من المبيدات، ولم يصبها انتقاء جيني أو تغيير وراثي. وكل من يتكلم عن علم التغذية يجب أن يكون باحثا في الميدان، وليس باحثا في المعطيات، فربما كانت بعض المواد سامة ومضرة بسبب تقنيات الإنتاج، لكنها تظهر مفيدة في الكتب أو المنشورات.
واستهلاك القمح المعهود هو على شكل خبائز أو كسكس، وربما يكون على شكل مقرونات. وكانت بعض الأشكال الأخرى التي أخذت تندثر، وهي أرقى الأشكال التي يجب أن يستهلك عليها القمح، وهذه الأشكال كانت في كل الدول العربية، لأن التغذية العربية كانت موحدة وموروثة، لأنها نابعة من أصل واحد. ونستسمح لكل الإخوة في البلدان العربية على إعطاء بعض المصطلحات المحلية. ونذكر من بين الوجبات التي كانت تحضر من القمح الصلب على الخصوص، لأنه كان موجودا بكثرة وبشتى أنواعه، إذ كان هناك خمسة وستون نوعا من القمح إبان فترة الاستعمار، ويوجد منها عينات بالمتحف الفرنسي بباريس. وقد أصبح تحضير هذه الوجبات ناذرا إلا في الأرياف المغربية والمناطق الجبلية. وهذه الوجبات هي وجبة البركوكش ووجبة هربل أو هربر، والوجبتان متشابهتان فيما يخص التركيب، لكنهما يختلفان قليلا من حيث التحضير، والغريب أن الوجبتان متماثلتان من حيث التراث، فالأولى أي وجبة البركوكش تحضر في السهول والمناطق المنحدرة، وهي المناطق ذات الأغلبية العربية، بينما تحضر الوجبة الثانية بالمناطق الجبلية ذات الأغلبية البربرية.
والبركوكش يحضر من سميد القمح الصلب، من حيث يهيأ أو يفتل على شكل كسكس، ويطهى طريا في الحليب مباشرة، ويحرك لكي لا يلتصق، ثم يصب في قصعة أو صحن كبير، ويوضع عليه السمن أو الزبدة البلدية، وغالبا ما يضاف إليه الخردل، وهذه الوجبة لا تضاهيها أية وجبة غذائية أخرى، وهي كذلك في غاية ما يمكن أن يوصف أو ينصح به كوجبة للفطور من الناحية العلمية. وكانت هذه الوجبة خاصة بالفطور. فالوجبة بسيطة لكنها تتطلب خبرة جيدة، لأن الصعوبة تكمن في تهييء كسكس القمح، ويجب أن يكون طريا من حيث لا يمكن أن يستعمل الكسكس المجفف.
أما الهربر فيحضر من حبوب القمح كاملة دون طحن ودون غربلة، وهو امتياز من الناحية العلمية، لأن النخالة تشتمل على فايتمينات مفيدة. وحبوب القمح تكسر فقط وتبقى على شكل أطراف وليس دقيق، وكانت النساء تستعمل الحجارة وبعدها المهراس، وكانت تحضر كمية كافية لمدة طويلة تبلغ النصف سنة أو السنة، لأن القمح لا يصيبه فساد أثناء الخزن. وتطهى حبوب القمح المهروسة في الماء، مع قليل من الملح، وربما تضاف توابل. وتطول مدة الطهي إلى أن تنتفخ الحبوب وتأخذ حجما كبيرا، حيث تصب في قصعة كبيرة أو صحن مثل ذلك، ويصب عليها السمن أو الزبدة البلدية. والهربر ليس وجبة عادية بل كانت وجبة المناسبات، كالأفراح والخطوبة والأعياد والعقيقة، وتكون كذلك للضيوف، وتعتبرضيافة من النوع الممتاز. ونعتبرها كذلك من الناحية العلمية. وهي على عكس البركوكش، الذي يعتبروجبة شعبية جدا خاصة بالعائلة، ولا يمكن أن تعطى للضيوف