يحتوي الشعير على مكونات غذائية تجعله ضروريا للجسم لكن الناس يهملونه. أما بالنسبة للمصابين بأمراض مزمنة، فالشعير يصبح المادة الوحيدة التي تصلح لتغذية هؤلاء الأشخاص، ما عدا المصابين بإسهال سيلياك. أما أصحاب السكري فالشعير يعتبر بمثابة مكمل للعلاج من حيث ضبط تركيز السكر في الدم. وكذلك المصابين بالسرطان فالشعير يعتبر أحسن طعام لتزويد الجسم بكل المواد الضرورية دون مد الخلايا السرطانية.
والشعير يستهلك على عدة أشكال، إما خبز مخمر أو كسكس أو حساء مع الحليب والسمن أو الزبدة البلدية الطبيعية، أو لمن لا يجد هذه المواد زيت الزيتون، ونلاحظ أن النظام الغذائي الذي كان يتبعه أجدادنا يوافق النظام السليم في التغذية. ونلاحظ كذلك أن نقص بعض العناصر الذي يترتب عنه ظهور أنيميا كالفايتمينات أو الحديد أو المغنيزيوم لم يكن معروفا بتاتا من قبل. ويرجع ذلك لتنوع الأغذية وتكاملها. والشعير قد يستهلك مع لبن الخض أو اللبن المخمر، وهي أسمى وجبة بالنسبة لعلم الحمية، ويطلق عليها اسم السيكوك. ولا ندري من أين أتى المصطلح رغم بحثنا في الموضوع. والسيكوك هو كسكس الشعير المطهي بالبخار، كما نحضر الكسكس العادي، لكن عوض المرق يصب عليه لبن الخض المخمر ويؤكل، وهي الوجبة التي كانت أكثر استهلاكا، لأنها موسمية وتكون في فصل اللبن الذي كان يمتد من شهر فبراير إلى شهر يونيو، وفي هذه الفترة تكون الحرارة مرتفعة، ويكون العمل شاقا لأنه فصل الاعتناء بالحقول وجمع الغلة، ويحتاج الناس إلى منعشات ومغذيات في نفس الوقت، وهو ما كانوا يجدونه في وجبة السيكوك.
وكان الشعير يستهلك على شكل آخر وهو ما توصلت إليه العلوم حاليا من حيث أصبح استهلاك الشعير الأخضر من المواد الغذائية المتخصصة التي تستعمل لعلاج بعض الأمراض المزمنة، وقد كان هذا الشكل في المغرب كما في بلدان المغرب العربي سائدا، ولا يزال هذا المنتوج يهيأ لكنه أصبح بطريقة بشعة ويهيأ للسوق، وكل الأشياء التي أصبحت تهيأ للتسويق فقدت قيمتها ودخلها الغش، واصبحت عرضة للمضاربة والاحتكار. والمنتوج يطلق عليه البندق بالتسمية المحلية وبعض المناطق يسمونه المرمز ويعرف في الطب العربي بالتلبنة.
تؤخذ سنابل الشعير عند النضج، وقبل أن تجف وهو طور التلبن، أو المرحلة ما قبل اصفرار الشعير ليحصد ويصبح جاهزا للطحن والاستهلاك، ثم تجفف برفق على النار إلى أن تصبح جافة، فتطحن ويؤخذ منها الدقيق الأحمر الرقيق وهو ما يسمى باللغة الدارجة المغربية الزميتة، ويستهلك مباشرة إما مع اللبن أو الحليب أو أي سائل آخر، بينما ينقع الدقيق الثاني، وهو على شكل سميد كبير الحجم في اللبن المخمر لمدة تتراوح بين ساعتين وأربع ساعات، ليؤكل مباشرة بعد ما يمتص اللبن وينتفخ، وربما يطبخ الدقيق مع الحليب حتى ينضج جيدا ثم يصب في صحن ويوضع فوقه قدر من السمن أو العسل. وهو من الوجبات الغذائية الجيدة والممتازة لسببين: الأول لأن نسبة المكونات تكون بمستوى عالي، وثانيا لأن خصائص اللبن تغير من تركيبه الكيماوي. فالبكتيريا اللبنية تحلل حمض الفيتيك (phytic acid) الموجود في الدقيق لتحرر المعادن من حديد وزنك ومنغنيز ومغنيزيوم وفسفور. ويجتمع في هذه الوجبة كل من الشعير واللبن المخمر أو لبن الخض ليعطي أحسن وأعلى وأجود مادة غذائية من حيث التركيب الحراري والأملاح المعدنية والفايتمينات والمكونات الأخرى التي تدخل مع عوامل النمو والهرمونات أو الأنزيمات. ولا يوجد ما يعادل هذه الوجبة في الطبيعة بالنسبةأو للمرضى لأطفال والنساء الحوامل والمسنين. وإذا اجتمع اللبن المخمر، وهو أسهل للهضم من الحليب، والشعير الأخضر، وهو أعلى من القمح فيما يخص الأملاح والفايتمينات ومكونات أخرى لا توجد في القمح والذرة، وقد كان يعطى هذا الأكل للأطفال على الخصوص، وكانت هذه العادة الغذائية معروفة في كل أقاليم المغرب، وتتبع نفس الطريقة للحصول على هذه المكون. يمتاز الطحين الأول أو الدقيق وهو "البندق" أو "الزميتة" بكونه يحتوي على الجزء الخارجي للحبوب أو الغلاف، وهو غني بالأملاح والفايتمينات ويشبه شيئا ما النخالة، أما السميد فيحتوي على مكونات الحبوب الداخلية، ويكون أبيضا شيئا ما، وينتفخ بنقعه في اللبن المخمر، وطعمه لذيذ جدا لأنه تغلب عليه الحموضة، كما تختلف باختلاف نكهة الشعير مع نكهة اللبن لتعطي غذاءا لذيذا سهل الاستساغة يحبه كل الناس وخصوصا الأطفال. وقد أوشكت هذه العادة الغذائية أن تنقرض وتتوارى كما توارت عادات غذائية أخرى لعدم معرفة أهميتها الصحية، وتجاهلها والتنكر لها لأنها متخلفة، ويدخل التخلي عنها في تأطير التحولات الغذائية التي تسعى إلى مسح الرصيد المعرفي في ميدان علوم التغذية، والتي كان سببها التأثر بالحضارة الغربية في كل الميادين. ونتدارك الآن ما قد يحدث من ضياع في ميدان علوم التغذية، لتبقى على الأقل بعض الرسوم التي من شأنها أن تقنع أصحاب الميدان بالبحث العلمي. وهذا التأطير الذي نهج استبدال المواد التقليدية بالمواد الصناعية بحجة أن هذه الأخيرة مراقبة وتخضع لشروط صحية ومعايير علمية متفق عليها دوليا، ما هو إلا شباك أو شراك اقتصادي وسياسي للتمكن من المستهلك. وليس غريبا أن تنهج الشركات سياسة التاطير عبر العلوم والندوات والإشهار المفرط لكن الغريب هو أن الباحثين في الدول المستهدفة ينزلقون وراء هذا النهج ويؤمنون به إيمانا راسخا.
ومن بين ما توصلت إليه العلوم فيما يخص الشعير الأخضر، وهو أقل أهمية من حبوب الشعير الخضراء، أنه يساعد على بناء الدم لغناه بالحديد وطبعا فتمثيل الكريات الحمراء من أهم ما يجعل الجسم ينشط جيدا، ولذلك فالشعير يحد من انخفاض الضغط وفقر الدم والأنيميا. والكريات الحمراء هي التي توزع الأوكسايجن على الجسم وتزيل السموم من الجسم، ولذلك فالشعير الأخضر يحد من السرطانات. والشعير الأخضر يحتوي على الفايتمن س بكمية تعادل خمسة أضعاف الكمية الموجودة في الحوامض، ويحتوي على الكالسيوم بكمية ضعف الكمية الموجودة بالحليب، وكمية الحديد الموجودة في الشعير الأخضر تفوق الكمية الموجودة بالإسبانخ بخمس مرات. ويحتوي الشعير الأخضر على كل الفايتمينات وعلى كل الأملاح المعدنية وعلى الكلوروفايل وعلى الكاروتينات والفلافونويدات ونشير إلى أن كمية حمض الفولك توجد بكمية كبيرة في الشعير الأخضر، ليكون الشعير الأخضر من المواد التي يجب على النساء الحوامل أن يتناولوها، لأن حمض الفولك ضروري للنمو الجيد للجنين، خصوصا نمو المخ أثناء الأشهر الأولى من الحمل.
وعلاوة على هذه التركيبة الغنية والهائلة فإن الشعير الأخضر يحتوي على الأنزيمات الضرورية للتأكسد والاستقلاب داخل الجسم. وهناك مكونات أخرى تدخل في التركيب الدقيق للشعير الأخضر، ومنها مكون الأكسدة للدهنيات succinate، ومكون -O-glycosylsoritexin وبعض الأنزيمات الأخرى التي تساعد على ضبط المفاعلات الكيماوية داخل الجسم. ويعرف الشعير في علم الطب الغذائي أنه منشط للكريات الحمراء، ومحفز لتجديدها ومطهر للدم. وبما أن الشعير يعد غنيا بالأملاح المعدنية، ومن بينها البوتاسيوم الذي يوجد بكمية هائلة، ويفيد البوتاسيوم في خفض ارتفاع الضغط، ويحتوي الشعير على كل الفايتمنات خصوصا مكون الفايتمن ب بكل أنواعه، ويفيد في تهدئة الأعصاب، وبعض المكونات الكيماوية الطبيعية الأخرى، ويوجد الكلوروفايل على أعلى مستوى في الشعير الأخضر، وكذلك مكون البيتا كاروتين أو البروفايتمن أ. والشعير هو المادة الغذائية الوحيدة من بين الحبوب والنشويات التي تساعد على خفض الوزن والوقاية من السمنة. وبهذه الخصائص يكون الشعير الغذاء الذي لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لتغذية المرضى والأطفال والنساء. ونظرا لتركيبته الغنية بالأملاح الثنائية من الكالسيوم فالشعير يحد من أثر الكورتيكويدات بالنسبة لمتناولي هذه العقاقير.
وبما أن الأبحاث حول التلبينة منعدمة فلا يمكن أن نبين حقا الأهمية العلمية وووجه الإعجاز في الحديث الشريف. وقد عثرنا على التركيب الكيماوي للشعير الأخضر والشعير اليابس ولم نعثر على التركيب الكيماوي لحبوب الشعير قبل أن تيبس أو في طور التلبن. وهو ما نأٍسف له جدا لأن، المعجزة في هذه الحبوب الخضراء التي تقي الجسم من كثير من الأمراض ولا نتوفر على التركيب الكيماوي لهذه الحبوب حتى نتمكن من أيجاد الربط المادي بين الخصائص الكيماوية ولما جاء في الحديث الشريف، وكذلك ليستفيد منها الناس.
ولما نتصفح التركيب الكيماوي لأوراق الشعير الخضراء وهي أقل تركيبا من الحبوب الخضراء نجد ا، فيها مكونات هائلة لها دور في الوقاية والعلاج من أمراض القلب ولها كذلك دور في ضبط الحالة النفسية أو العصبية للمريض، ومن بين هذه العناصر نجد الأملاح المعدنية التي تؤثر على الأعصاب وهي البوتاسيوم والماغنيزيوم بتركيز عالي جدا وتساعد هذه الأملاح على خفض الضغط الدموي وعلى تسكين الأعصاب. ويحتوي الشعير الأخضر على مكون الفاتمين ب وهو مكون كذلك يهدأ الأعصاب وكلما كان هناك عوز في هذا الفايتمن كلما ظهر اضطراب عصبي على المريض.
أما وجود مواد أخرى كالبيتا كلوكان التي تساعد على خفض الكوليستيرول وكذلك المضادات للأكسدة وم منومنها مادة الكلوروفايل وهذا التفاعل هو الذي يخفف من أمراض القلب والشرايين وهناك علاقة كبيرة بين أمراض القلب والشرايين وارتفاع الضغط وهي الحالة التي تسفر عن الحزن أو التوثر العصبي ويحتوي الشعير الأخضر على مكونات أخرى تساعد على الحد من ظهور أمراضا لقلب والشرايين وارتفاع الضغط وهي مركبات نشوية ونايتروجينية سهلة الامتصاص من حيث ييتمكن الجسم من رمي السموم عبر خفض الرقم الهايدروجيني بالجسم وهناك أنزيمات الأكسدة وأنزيمات التمثيل الكيماوي التي يوجد بالشعير تقريبا عشرين منها وهي المكونات الهامة بالنسبة للمفاعلات الفايزيولوجية داخل الجسم.
ولما نقرأ بعض الأوصاف للتلبينة في كثير من المقالات المنشورة على شبكة الأنترنت، وأغلبها حول إظهار وجه الإعجاز في حديث التلبينة، لا نحس بالمعنى الحقيقي، ولا يمكن لدارسي التكنولوجيا الغذائية أن يسلموا بهذا الوصف. لأن الكيفية التي جاءت في هذه الأوصاف، لا تدل على أسلوب غذائي مدقق، بل بعض ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها. ودقيق الشعير الذي يستعمل في تحضير التلبينة، ليس أي دقيق، بل دقيق يحتوي على مكونات إعجازية، ولذلك كان دقيق الشعير الأخضر يحضر من لدن شركات متخصصة، وذات خبرة عالية، لا يقدر أحد على مضاهاتها، ويوصف الشعير الأخضر للمرضى المصابين بأمراض مزمنة مستعصية على الطب الحديث. ولعل ثمن هذا المنتج الباهض يدل على أهميته، ويصنع بخبرة محفوظة، وببراءة اختراع وليس هكذا، وهنا يظهر وجه الإعجاز، بمعنى أن هذه الشركات التي تصنع الشعير الأخضر، وتستبد بالخبرة أو الإختراع المسجل، وتستخدم دكاترة باحثين بالمستوى العالي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يعرف الكتابة والقراءة، ولم يتخرج من جامعة، وجاء بحقائق لم تتوصل إليها العلوم إلا بعد مرور أربعة عشر قرنا وربع القرن. فالتلبينة ليست أي طعام، وإنما الطعام الدواء المؤكد، والذي يجب أن يعود إليه الناس ليرتاحوا نفسيا وعضويا. و يمكن أن نستنبط من هذا الموضوع أن كل المصابين بأمراض القلب والشرايين، والكوليستيرول والشحوم والسمنة، والاضطرابات العصبية والسكري وارتفاع الضغط، أن يجعلوا من التلبينة الطعام اليومي، وكذلك المصابين بالسرطان، وحتى الذين خضعوا للعلاج الكيماوي والإشعاعي، أن يتناولوا التلبينة لأنها تطرد السموم من الجسم، وتقي من أثر العلاج الكيماوي وتزيد من دوره في العلاج.